ما الذي يجعل بعض الناس مجرّدين من المشاعر ووقحين ؟
ما الذي يجعل بعض الناس مجرّدين من المشاعر ووقحين؟
تتحدثون إلى أحدهم، ومع الأسف الشديد، يقوم هذا الشخص بتوجيه الملاحظات إليكم أو بالتحدث عن أحد عيوبكم. وعلى الرغم من أنكم تكونون عادةً واثقين من نفسكم، يجعلكم هذه الهجوم البسيط تشعرون بالسوء، وتبدأون بالتساؤل عن صحة كلامه، أليس ذلك صحيحاً؟
ونظراً لأنكم مجبرين على تحمل سلسلة الملاحظات واللوم هذه، تبدأون بالتفكير في أن هذا الشخص يبدو فظاً بشكلٍ بشع ومجرداً من المشاعر. فتقررون إبلاغه أنكم لا تحبون أن يكلّمكم أحد بهذه الطريقة. فيجيبكم هذا الشخص “أوه! لقد كنتُ صريحاً فحسب. كنتُ أرغب بمساعدتك”. هل سبق أن واجهتم هذا السيناريو؟
إذن متى تتحوّل الصراحة إلى وقاحة؟
وهل للآخرين الحق بمواجهتكم بتعليقات سلبية عن شخصيتكم؟ ولماذا يسمحون لأنفسهم بانتقاد غيرهم تحت ستار النصائح غير المحبذة؟ وهل هؤلاء الأشخاص حقاً مجرّدين من المشاعر؟
أسباب وتفسيرات حالة التجرد من المشاعر
مهما كان الشخص غير حساس، لن يكون مجرّداً كلياً من المشاعر. وإلا أصبح الأمر يتعلّق بمرضٍ عقلي.
في الواقع، إن درجة وموضوع وظروف الحوار تشكّل جزءاً من حساسية الشخص. لذا قد نكون عديمي الإحساس في التعامل مع بعض الناس، وحساسين جداً اتجاه آلام البعض الآخر.
الأشخاص عديمو الإحساس
الأشخاص عديمو الإحساس هم في الغالب أشخاص مروا بتجارب معاناة عاطفية أو أشخاص تجاوز الألم حدوداً معينة داخلهم. يمكن أن يكون العكس أيضاً صحيحاً، فبعض الناس الذين لم يختبروا تجارب معاناة، يصبحون عديمي المشاعر لأنهم عاجزون عن إعطاء معنى أو قيمة عاطفية لمعاناة الآخرين إلى حدٍ ما. وبالتالي فإن القدرة على التعاطف مع الآخرين لم تتطور عندهم وذلك يتجلى نوعاً ما عبر البلادة العاطفية.
الإدمان على النقد
في حالة الإدمان على النقد، غالباً ما يتبنى الشخص شخصية عدوانية بشكل مفرط، شخصية تجرد نفسها من الأحاسيس لتتحكم بعواطفها وتستخدم طاقتها لاحتواء هذه العواطف.
إنها استراتيجية وتقنية آلية تسمح للشخص بأن يصبح مجرداً من الأحاسيس لأنه يخاف من أن يعاني.
سلّطت إحدى الدراسات الضوء على علاقة ذلك بصفات في الشخصية
وفقاً لدراسة تم نشرها حديثاً أعدها ديفيد واتسون وآخرون David Watson et al.، من جامعة موتردان (2019). يمكن لهذه التعليقات، والملاحظات الصريحة كما يسمّونها، أن تعود إلى جوانب من شخصية هؤلاء الناس الذين يقعون في خانة نموذج يرتكز على خمس عوامل (FFM – Five-Factor Model). باختصار، يقيّم نموذج العوامل الخمس FFM الشخصية في مجالات الانفتاح على التجرية، والوعي، والقدرة على التواصل مع الآخرين والتقبل والعصابية.
كنهج لفهم الشخصية، تم اعتبار نموذج العوامل الخمس كإطار وصفي شامل لكل ما يزعجكم ويوتركم. ولكن كما أشار واتسون وشركاءه في الدراسة، لا يكفي فقط مراقبة العوامل.
في نموذج العوامل الخمس الأصلي، يتكون كل من هذه العوامل الخمس من ستة جوانب فرعية، مما يوفر طريقة أكثر دقة لتجسيد الفروق الفردية.
وعبر استخدام هذه الجوانب الفرعية، يمكنكم بدء فهم هؤلاء الأشخاص الوقحين و”الصريحين” في حياتكم.
وكما تكشف دراسة واتسون وآخرون، فإن مجال الوعي يشكل الأهمية الأكبر لفهم ما يجعل هؤلاء الأشخاص يندفعون إلى التعبير عن رأيهم بطريقة حازمة وقاسية جداً.
تشمل الجوانب التابعة لمجال الوعي لدى الأشخاص عديمي الإحساس:
إثبات الذات (الهيمنة وأن يكونوا محور الإهتمام). أما في مجال التواصل الجتماعي فتشمل (حب مرافقة الآخرين). وفيما يتعلق بمجال المشاعر الإيجابية (السعادة والحماس). أما مجال العصابية فيشمل (الإستمتاع بالأحاسيس الشديدة).
مع ذلك، حتى هذا النهج الأكثر دقة قد يفتقر إلى بعض الجوانب والفروقات الدقيقة في الشخصية، كما يؤكد واتسون وشركائه في هذه الدراسة.
إذا كان كل ما تم ذكره يبدو نظريًا وأكاديميًا جداً بالنسبة إليكم، فارجعوا إلى الوراء وفكروا فيما يعنيه أن تكونوا في موقع متقدم بالنسبة لبعض عوامل الوعي. إذاً هل يمتلك هؤلاء الأشخاص حقًا سمة الصراحة المفرطة؟ إذا اتبعتم النهج أعلاه ، ستدركون أن الجمع بين الحزم وإثبات الذات في شخص واحد سينتج شخصاً متشبثاً برأيه يسمح لنفسه بإعطاء انتقادات قد تتعلق بأمور شخصية لدى الآخرين من المحتمل أن تكون وقحة.
بالتالي، أكد الباحثون أن الأشخاص المنفتحين المطيعين هم من يتجاوزون حدود اللياقة، ربما بسبب اقتناعهم بأن رأيهم دائماً صحيح، ولذلك يعتبرون أن لهم الحق في مشاركته بشكل حر.
التعليقات مغلقة.