قصة العصفور التي علمتني كيف أعطي ولمن أعطي

كيف أعطي ولمن أعطي؟ لطالما روى لي والدي قصة الفتاة التي وجدت عصفوراً ينزف، فأخذته إلى منزلها واهتمت به وأمنت له الدواء والطعام والماء، وأحبته كثيراً، ثم حين أصبح بخير وتمكن من الطيران رحل وطار بعيداً ليعود إلى والدته التي تبحث عنه.
لم أكن أدرك معنى هذه القصة، إلى أن قابلتُ عدداً كبيراً من الناس وكانت قصتي معهم تماماً كقصة تلك الفتاة والعصفور. كنتُ أسميه استغلالاً، كنتُ أغضب كثيراً وأِشعر بالخيبة حين لا أجد مقابلاً لما أقدمه، أو حين تنتهي المصالح المتبادلة فيرحلون بعد أن اعتبرتهم من أعز الأصدقاء.

لكنني اكتشفتُ أخيراً أنها طبيعة الحياة

نحن لا نقوم بعمل الخير كي ننتظر مقابلاً من أحد. ولن يقدّر الآخر يوماً ما نقوم به لأجله. في نهاية المطاف الجميع يرحلون. وكلٌ يبدأ قصة جديدة في مكانٍ آخر مع أناس آخرين تماماً كما رحل العصفور.
أما عن الخيبة فقد استنتجتُ أخيراً أن المشكلة لا تكمن في الناس بل في توقعاتنا. كلما قللنا من حجم توقعاتنا كلما تضاءل حجم الخيبة. في الحقيقة علينا ألا نتوقع شيئاً من أحد، وألا نتعلق بأحد، وعلينا أن نقدم الخير لأجل الخير لا لأجل الناس. حينها فقط سنشعر بسعادة لا تكسرها أي خيبة.

أصبحتُ أرى الأمور من هذا المنظار:

الأشخاص الذين نقابلهم في حياتنا ليسوا سوى اختبارات. من الطبيعي أن نواجه الخير بالخير، إلا أن الاختبار الأقسى يكمن في أولئك الأشخاص الذين يضمرون لنا الشر أو يحاولون “استغلالنا” لأجل مصالحهم. حين نتعامل معهم بطريقة سيئة نكون قد أعلنا فشلنا، وحين نقابلهم بالخير، نكون قد اجتزنا الاختبار بنجاح. وبالمناسبة لم نكن لنسميه “استغلالاً” لو لم نكن نتوقع مقابلاً منهم.

حين ننتظر مقابلاً نكون قد دخلنا في فخ الماديات. ويصبح ما نقوم به أشبه بصفقة.
والمفارفة تكمن في أننا حين نفكّر بهذه الطريقة، أي أننا حين نتوقف عن توقع مقابل، يعود الخير لنا بأشكال مختلفة، خبر جميل، نجاح، صحة أولادنا، رزقٌ من حيث لا نحتسب.

والآن بعد أن توفي والدي فهمت. فهمتُ المغزى الحقيقي المتخفي خلف بساطة هذه القصة. وها أنا اليوم أرويها لابنتي قبل النوم. إذ لا بد من أنها ستقابل الكثير من العصافير التي تتناول الطعام وترحل كما حصل مع والدتها. وأريدها حينها ألا تشعر بخيبة أو بأنها أقل من أن تستحق مقابلاً. أريدها أن تفهم أن المقابل يرسله الله في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة حين نتوقف عن توقع مقابل.

سماح خليفة

التعليقات مغلقة.