عادت إلى الحياة بعد 125 يوم من الغيبوبة : تعلمت كثيراً عن الحياة بعد الموت (2)
الحياة بعد الموت: تخيّلت أن يكون هذا النوع من الروايات عن رحلة إلى بلاد مجهولة غريباً وغامضاً. ذكريات طمسها الوقت، ونجت من فترة مأساوية ومؤلمة عرّضت أجسادهم لتجربة قاسية لكنها حملتهم أيضاً إلى “عالم آخر”. “مكان” يسحر ويدعو إلى التساؤل، مكان لم يتمكّن العلم بعد من أن يشرحه أو أن يعطيه تفسيراً.
من الخطأ دوماً أن نتخيّل الرحلات التي لم نقم بها، وأن نعتقد أنّ المسألة كما في الأفلام، حيث يستيقظ المرء يوماً من الغيبوبة ويعود إلى حياته وإلى مسارها الطبيعي حيث تركها قبل أن يرحل. من الخطأ أن نتخيّل من دون أن نعرف أو أن نقدّر أو أن نفهم الألم العظيم والعمل الجبّار الذي يحتاجه كل أولئك الذين يعودون من الغيبوبة كي يعيدوا ترتيب ركام حياتهم أو على الأصح حيواتهم، تلك السابقة للغيبوبة وتلك التي عاشوها في الغيبوبة وتلك التي تلتها. يكشف لنا كل من ماثيو وايزابيل ولورانس بعض الشظايا التي حاولوا فرزها وترتيبها وإعادة جمعها ليجدوا لها معنى، ليفهموا من أين عادوا وليتكيّفوا مع هذه الحياة “الطبيعية” التي اضطروا أن يتعلّموا من جديد كيف يواجهونها، خطوة تلو الأخرى. ايزابيل نسيت كل شيء تقريباً ما أراحها. وجمعت لورانس ذكرياتها التي وجدت فيها مجموعة من المعلومات القيّمة والكونية التي تستند إليها من الآن فصاعداً. أما ماثيو فسجّل ذكرياته كلها بعناية من دون تبويب قبل أن يبدأ ورشة إعادة ترتيب ضخمة في حياته.
كل رواية من رواياتهم فريدة. وما فعلوه بذكرياتهم منذ عودتهم.
سنروي في هذه المقالة تجربة لورنس على أن نعرض تجارب الباقين في مقالات لاحقة.
أقمت في صفاء مذهل ورائع
لورانس، 47 عاماً، 125 يوماً في الغيبوبة في العام 1992
“أتذكّر أني قُذفت في فضاء أبيض ومضيء. كنت عاجزة عن الحركة لكني نجحت في أن أنتقل إلى نقطة عالية: وهذا أذهلني! اكتشفت مشهداً ناعماً ولطيفاً وساكناً يتنقّل فيه، في ارتفاع، كائنات على شكل بيضة مستطيلة الشكل. شاهدت في بادئ الأمر عرضاً مسرّعاً لحياتي، منذ ولادتي حتى الحادث الذي تعرّضت له، ومن ضمنها بعض الأفعال الوضيعة التي روّعتني. بعدئذ، نُقلت إلى قرية من الخانات الدائرية وفهمت أنها منطقة انتقالية لأولئك الذين لم يعودوا في الحياة لكنهم لم يصبحوا جاهزين بعد للانطلاق نحو الحياة الأخرى. وأدركت أني سأبقى في هذه المنطقة حتى يعرفوا إن كان جسدي قابلاً للإصلاح أم لا. أمضيت إقامتي كلها في ذلك المكان، في صفاء عاطفي وفكري وروحاني مذهل. تمكّنت من الوصول إلى المعرفة المطلقة وتعلّمت الكثير عن الولادة والحياة والموت والحياة الأخرى… كان يكفي أن أتساءل كي يشرح لي أحد المخلوقات! كما تمكّنت أحياناً من التواصل بطريقة ماديّة ومحددة جداً مع حبيبي. أتذكّر أني طفت فوق جسدي مرات عدة ووجدته في حال سيئة، ومثيراً للاشمئزاز إلى حد أني لم أعد أرغب فيه. وفي لحظة ما، تم إعلامي أنّ جسدي قد أُصلح، وأني أستطيع العودة إلى حياتي قبل أن أصل إلى الأعلى. عدت من دون حماس، وبرأس فارغ. اضطررت لأن أتعلّم كل شيء من جديد وأن أعيد بناء أحجية ذاكرتي. تطلّب هذا عشرات السنين. ومنذ ذاك الحين، أعدت بناء حياتي، ورزقت بأولاد، وأنا أدرك بكل سكينة أنّ كل يوم يمكن أن يكون اليوم الأخير: أعلم أنّ الموت ليس سوى مرحلة وأنّ الحياة تستمر بعده إنما بطريقة مختلفة.”
اقرؤوا القسم الأول: عادت من غيبوبة استمرت 6 أيام : رحلتي ما بعد الموت لا أتمناها لأحد (1)
اقرؤوا القسم الثالث: عاد من الغيبوبة بعد 10 أيام : تجولت في كافة أنحاء الأرض (3)
التعليقات مغلقة.