قصة ملهمة: بوابات الحكمة الثلاثة (2)

قصة ملهمة: بوابات الحكمة الثلاثة (2)

…”غير نفسك بنفسك”.
فقال لنفسه “إذا كنتُ أنا نفسي سبب مشاكلي، إذاً هذا ما بقي عليّ فعله بالضبط”. وبدأ معركته الثالثة. لقد حاول تعديل شخصيته، ومحاربة عيوبه والتخلص منها، وتغيير كل ما لا يحلو له وكل ما لا يتناسب مع مثله العليا.
بعد سنوات عديدة من هذه المعركة، مر ببعض النجاحات ولكن أيضاً بإخفاقات وتحديات، ثم قابل الأمير الحكيم الذي سأله: “ما الذي تعلمته في طريقك؟”
أجاب الأمير “لقد تعلمت أن هناك أشياء فينا يمكننا تحسينها، وأشياء أخرى تكون أقوى منا لا يمكننا كسرها.”
أجاب الحكيم “هذا جيد”.
فأكمل الأمير قائلاً “نعم، لكنني بدأت أتعب من القتال ضد كل شيء، ضد الجميع، ضد نفسي. “ألن ينتهي هذ أبداً؟ متى سأجد الراحة؟ أريد التوقف عن القتال والمحاربة، والتخلي عن كل شيء والاعتزال.”
قال الشيخ الحكيم “إنه الدرس المقبل فحسب. لكن قبل المضي قُدماً، استدر وفكر في المسار الذي سلكته.” ثم اختفى.

عند النظر إلى الوراء، رأى الأمير الباب الثالث من بعيد ورأى أنه يحمل على جهته الخلفية نقشاً كُتِبَ عليه “تقبل نفسك”.

فوجئ الأمير لأنه لم ير أبداً هذه العبارة حين عبر الباب، للمرة الأولى، في الاتجاه الآخر.
“عندما نقاتل ونخوض معارك نُصاب بالعمى”.
ورأى أيضاً، كل ما رفضه وحاربه في نفسه ملقى على الأرض ومنتشراً حوله: أخطائه وظلاله ومخاوفه وحدوده وكل شياطينه القديمة. ثم تعلم أن يتعرف عليها كلها ويتقبلها ويحبها. لقد تعلم أن يحب نفسه دون أن يقارن نفسه بالغير أو يحكم عليها ويلومها.
التقى بالشيخ الحكيم الذي سأله مجدداً “ما الذي تعلمته في طريقك؟”
رد الأمير “تعلمت أن كره أو رفض جزء مني، سيحكم عليّ بأن لا أكون في وئام مع نفسي، بشكل كامل ودون قيد أو شرط.”
قال الرجل العجوز “هذا جيد، إنها الحكمة الأولى. الآن يمكنك تجاوز الباب الثالث.”

بالكاد وصل إلى الجانب الآخر، رأى الأمير من بعيد الجهة الخلفية من الباب الثاني وقرأ عليه “تقبل الآخرين”.

تعرف من حوله على الأشخاص الذين عرفهم في حياته؛ الأشخاص الذين أحبهم والذين كرههم. أولئك الذين دعمهم والذين قاتلهم. لكن تفاجأ بانه لم يعد قادراً على رؤية عيوبهم ومساوئهم وما كان يزعجه كثيراً فيهم وحاربه في الماضي. ثم التقى بالشيخ الحكيم مجدداً، وسأله الرجل العجوز “ما الذي تعلمته في طريقك؟”.
رد الأمير “لقد تعلمتُ أنني عبر انسجامي مع نفسي وتقبلي لذاتي، لم يعد لدي ما ألوم الآخرين عليه، ولا ما أخاف منه فيهم. لقد تعلمت تقبّل وحب الآخرين تماماً ودون قيد أو شرط.”
فقال الشيخ الحكيم “هذا جيد”. إنها الحكمة الثانية. بإمكانك تجاوز البوابة الثانية مرة أخرى.

عند وصول الأمير إلى الجانب الآخر، رأى الجهة الخلفية للباب الأول وقرأ عليها “تقبّل العالم”.

ففكر بينه وبين نفسه بفضول، أنني لم أر هذا النقش في المرة الأولى. نظر حوله وتعرف على هذا العالم الذي سعى إلى غزوه وتحويله وتغييره. لقد شعر بالذهول من تألق وجمال كل شيء وكمال ومثالية كل شيء. ومع ذلك هو نفس العالم الذي كان يحاربه من قبل. ما الذي تغير فعلياً؟ العالم أم نظرته؟
التفى بالشيخ الحكيم الذي سأله “ما الذي تعلمته في طريقك؟”
فقال الأمير “تعلمت أن العالم هو مرآة وانعكاس روحي. وأن روحي لا ترى العالم. بل ترى انعكاس ذاتها في العالم. عندما تكون مبتهجة، يبدو العالم سعيداً. وعندما تكون مثقلة، يبدو العالم حزيناً. العالم هو ذاته، وليس عالماً حزيناً أو سعيداً بحد ذاته؛ هو هنا، هو موجود وهذا كل ما في الأمر. لم يكن العالم هو الذي يزعجني، بل الفكرة التي أكونه عنها. تعلمت كيف أتقبله دون أن أحكم عليه بكله ودون قيد أو شرط.”
فقال الرجل العجوز “إنها الحكمة الثالثة. ها أنت الآن تتقبل ذاتك، والآخرين والعالم.”
غمر الأمير شعور يالسلام والصفاء والرضا, وسكنه الصمت.
قال الرجل العجوز: “أنت جاهز الآن لعبور العتبة الأخيرة، وهي العبور من صمت الاكتمال إلى اكتمال الصمت”. واختفى الرجل العجوز.

الجزء الأول من المقال قصة ملهمة: بوابات الحكمة الثلاثة

التعليقات مغلقة.