قصة الغريب الذي غيّر قيمي وأفكاري
قصة الغريب الذي غيّر قيمي وأفكاري
قبل ولادتي ببضع سنوات، حضر ذاك الغريب إلى قريتنا. كان يقيم في منزل جارنا. إنها الطريقة التي تعرف عبرها والدي عليه. بعد عدة لقاءات بينهما، انجذب أبي لهذا الغريب لدرجة أنه دعاه للإقامة في منزلنا. وافق الغريب فوراً ومنذ ذلك الحين أصبح يشكل جزءاً من عائلتنا. لذلك كبرتُ برفقة هذا الغريب.
لقد كان حكواتياً فريداً من نوعه. كان يضحكنا جميعاً ويبكينا بسبب قصصه المؤثرة والغامضة والمضحكة أحياناً. بالإضافة إلى ذلك، كان على اطلاع بجميع المواضيع: السياسة، التاريخ، العلوم، الفن، وما إلى ذلك. جعلنا نشارك في حضور أول حفل أوبرا وأول حفل سمفوني لنا. لقد عرفتنا رواياته المستمدة من الواقع على تاريخ البشرية. وقد ساهم بالتالي في توسيع معرفتنا وثقافتنا.
كان هذا الغريب يتكلم طيلة اليوم. لم يكن يتوقف عن الكلام سوى في وقت متأخر من الليل، في وقت متأخر جداً من الليل كما تقول والدتي. كانت تحذرنا من تأثيره الكبير علينا. لكننا كنا نتجاهل تحذيراتها. لأن الاهتمام الذي كنا نحمله لهذا الغريب كان يتخطى اهتمامنا بأهلنا. حين أتذكر تلك الفترة، أتساءل ما إذا كانت والدتي تتمنى أن يرحل. كانت تحمل حنيناً إلى حياة أسرية اجتماعية أكثر من الحياة التي كنا نعيشها.
كان لدى والديّ معتقدات دينية قوية. لقد علماني أهمية الإحسان وفعل الخير. لكن لم يكن يبدو على االغريب أنه ينتمي إلى أية ديانة يشكل خاص. حتى أنه سمح لنفسه بمعارضة الأديان، وهو أمر لم يكن أي شخص آخر في عائلتنا يجرؤ على القيام به. كان والدي لا يشرب الخمور قبل قدوم الغريب. ولكن كثيراً ما كان يحثه هذا الغريب على تناول المشروب. وكان هذا هو الحال. لم يكن والداي يدخنان قبل وصول الغريب، لكنه أكد لهم في الستينيات أن السجائر غير مؤذية ومميزة. يهذه الطريقة تسلل هذا المنتج الضار إلى منازلنا. كان يبدو أن هذا الغريب لا يحمل قيماً أو أخلاقاً جيدة. حين أتذكر الماضي، أدرك أنه أثر بشكل كبير على سلوكي وتوجهاتي، خاصة خلال مرحلة المراهقة. لقد شكل هويتي بطريقة أكبر مما أجرؤ على القول.
لقد مضى أكثر من 60 عاماً منذ وصول هذا الغريب إلى منزلنا وتقريباً إلى كل مكان. ما زال يثير اهتمام أبناء جيلي، فيما يتراجع تأثيره قليلاً على الشباب.
هل تريدون أن تعرفوا اسم هذا الغريب؟ أعتفد أنكم تمكنتم من التعرف على هويته، إنه جهاز التلفاز. واليوم يحرز ابنيه (الإنترنت والهاتف الذكي) نجاحاً أكبر من الذي حققه في التسلل إلى حياتنا اليومية.
يستخدم الشباب هذه التقنيات بشغف. وبما أنها وسائل محمولة فهي تمتلك إمكانية التأثير على الشباب والصغار في كل مكان وفي كل وقت.
” “أصبح للعلم والتكنولوجيا أسبقية على الطبيعة وعلى السلطة وعلى الشعر وعلى الفلسفة وعلى الدين. هذا هو جوهر المسألة. لقد غيرا حياتنا رأساً على عقب.” جان دورميسون
الحكمة من هذه القصة:
يكون التلفاز محايداً في البداية. ويصبح تأثيره إيجابياً أو سلبياً وفق الطريقة التي نستخدمه عبرها. الأمر نفسه ينطبق على جميع التقنيات. الأمر يعود إلينا كي نستخدمها بالشكل الصحيح حتى تساهم بشكل فردي أو جماعي في رفاهيتنا.
التعليقات مغلقة.