العلاقة بين الجنسين بحسب علم الفراسة Morphology
العلاقة بين الجنسين: يقدّم لنا علم الفراسة Morphology معلومات حول تعايش الجانبين الجنسيين المتناقضين في داخل كل واحد منا.
لقاء المذكّر والمؤنّث
تختلف طبيعة هذا اللقاء بحسب “المساحة” التي يحتلّها الجانب الجنسي الآخر في حياة الشخص. وتلعب عوامل عدة دوراً ههنا: الوراثة، التربية والبيئة.
وفي هذا السياق، نجد حالتين:
- تقليل قيمة النزعة المعاكسة منذ الطفولة وتحقيرها
- إبرازها وتقبّلها كعنصر إغناء
تسمح العلامات التي يكشفها علم النفس بتقويم درجة تأثير هذه العناصر الجنسيّة في الشخصيّة. ويقدّم معلومات حول الطريقة التي ستتأثر بها الطباع.
بالتالي، يمكن للميلين الجنسيين المتعارضين أن:
- يتواجها فيشكّلان بذلك مصدر صراع داخليّ. عندها، يصبح توازن الشخصيّة مهدداً ويتم استخدام جزء كبير من القوة الحيويّة من دون داعٍ
- يتحالفا: تُضاف مهارات كل جانب جنسي إلى مهارات الجانب الآخر وتتكامل. وهي تعمل بتناغم وتوافق من أجل بلوغ هدف مشترك.
- ينعكسا: يطغى جانب الجنس الآخر على الجنس الأساسي ويتغلّب عليه. وتنعكس بالتالي الوظائف المرتبطة بكل ميل.
صراع المذكّر والمؤنث
ترفض الشخصيّة كل ما هو مرتبط بالجانب الجنسي الآخر أو تنكره (وهي عملية تجري بشكل لاواعي أيّ أنّ الوعي لا يتحكّم بها).
يتم تعزيز الميل الجنسي الطاغي فيما يُعتبر الجانب الجنسي الآخر ضاراً وخطراً. وتعمد الشخصيّة إلى وضع عملية انفصال وكبت قيد التنفيذ لحماية نفسها.
يعمل كل جانب جنسي بشكل منفصل عن الآخر. ولا يمكن للجانب الجنسي الآخر أن يمارس أيّ تأثير على الجانب الواعي إذا ما جرى كبته. لكن الميل المكبوت لا يختفي في اللاوعي (هذا ما يقوله التحليل النفسي). هذا الميل يُخنق، يُكمم بالتأكيد إلا أنه يبقى حاضراً وناشطاً وهو يستمر في الظهور انطلاقاً من أعماق اللاوعي. وبالتالي، يدخل في صراع مع “العناصر التي توجّه الشخصيّة وتديرها”.
نتائج المواجهة
- صراع داخلي يعرّض توازن الشخصيّة للخطر. إنّ وجود عناصر تعارض الشخصيّة باستمرار تعرّض الجسم لضغط مستمر يجعل جهازه العصبيّ ضعيفاً وحساساً.
- خسارة الطاقة الحيوية. تفقد الشخصيّة الطاقة الحيوية المرتبطة بجزء منها تعرّض للبتر. يُستخدم جزء كبير من الطاقة الحيوية الفردية للحفاظ على عملية الكبت.
- يبقى الميل المكبوت في مرحلة نمو بدائي. وعندما يظهر، يأتي التعبير عنه نافراً ومرتبكاً فهو لم يتمكّن من أن يتطوّر منذ أن احتُجز في اللاوعي.
مثال 1
لنأخذ مثلاً امرأة من مجتمع محافظ جداً. تعتمد منذ الطفولة السلوك الذي يتناسب مع سلوك فتيات العائلات المهذّبات، وفقاً لمعايير محيطها وبيئتها.
بالتالي، لتكون فتاة “لائقة”، نجدها تخضع للقواعد. فتطيع من دون نقاش وتبقى صامتة وتمارس نشاطات هادئة.
فالركض أو القفز أو الشجار وهذا أسوأ (علامات خارجية تشير إلى التمرّد) تصرفات من شأنها أن تفضي بها إلى مدرسة داخليّة. وتشكّل عبارة “صبي” أو كلمة “مسترجلة” (فتاة تتصرف كالصبيان) بنظرها أسوأ إهانة ممكن أن توجّه إلى فتاة. تجري شيطنة كل ما يرتبط بالسلوك الذكوريّ.
يحمل وجهها علامات الجانب الذكوري بشكل بارز (النبرة، حدّة النظرة، الحيويّة).
في هذا الإطار من الرقابة الأخلاقيّة، لا مفر من أن يقوم الصراع بين الجانب الجنسي المسيطر والجانب الجنسي الثانويّ. ويجري كبت الجانب الذكوريّ. وكل وضع يتطلب قدرة ذكوريّة يحبطه ويعرقله الشعور بالخزي. (انطباع “الصبي” أو “المسترجلة”).
لنأخذ حالة تكون فيها مرشّحة لترقية. ما الذي يجري؟ ستحتاج إلى الطموح والشغف والروح القتالية. لكن، وبما أنها ترفض هذا الجزء من نفسها وتكبحه، تفضّل أن تتخلى عن الترقية. بالتالي، تحافظ على موقف سلبي.
يحاول الميل المكبوت باستمرار أن “يطفو على السطح”
إذا تمكّن هذا الميل من الخروج إلى العلن فسيفعل ذلك بطريقة غير مناسبة أو غير لائقة. بالتالي، يمكن لهذه المرأة أن تصل إلى حدّ استخدام القوة لحل خلاف بسيط.
يعبّر الميل المكبوت عن نفسه بطريقة “بدائيّة” وغير ناضجة. (كما كانت لتتصرّف وهي في سن السابعة في ملعب المدرسة). ويؤدي هذا السلوك إلى استنكار المجتمع الذي يرفض تصرّفها ويدعمها في ضرورة سحق الجانب الذكوريّ فيها.
أعود وأؤكّد على أنّ هذه العملية لا تخضع لوعي الشخص.
ويمكن لهذا السياق أن يؤدي إلى كبت الشخصيّة حيث تتعرّض قدرات الجانب الذكوري للشلل التام وتتعرقل كافة الأعمال والنشاطات التي تتطلب الحيوية أو الروح القتاليّة أو الطموح أو النزعة الاستقلاليّة.
مثال 2
إنه فتى ذو ملامح توحي بالأنوثة وذو طباع هادئة. شاب حالم ولا يمكن مقارنته ببقية الصبية الذين يسيئون معاملته ويصفونه من دون تردد “بالمخنّث”. عندما يشكو لوالده، يلومه هذا الأخير لأنه يتصرّف كالفتيات. ويسخر منه أخوه لأنه يعتني بأغراضه ويطلق عليه تسمية “جنيّة المنزل”.
بعبارة أخرى، عندما يعي ويدرك الناحية الأنثوية لديه، لا يرى فيها سوى مصدراً للتحقير والإهانة: فيكبتها ويقلل تدريجياً من قيمة ما يرتبط بالنساء وبجنسهن من قريب أو بعيد ويحقّره. يكره رقة ملامحه الخاصة ونعومتها ويتفوّه بعبارات مهينة بشأن النساء. ويمكن للوضع أن يتطوّر ليصل إلى نوع من الكراهيّة المعلنة للنساء، لا بل إلى عدم قدرة على الشعور بأيّ حبّ نحو أيّ امرأة.
نشهد هنا صراعاً بين الرغبات والممنوعات.
توحّد الجانبان الجنسيّان
إنّ الحالة الأكثر انتشاراً هي الحالة التي تكون فيها علامات الجانب الآخر غير ظاهرة أو خفيّة. يبقى وجه المرأة أنثويّاً ووجه الرجل ذكورياً. ويشكّل جانب الجنس الآخر جزءاً لا يتجزأ من الشخصيّة وبشكل طبيعيّ.
إنه تناسق الوجه الذي يجعل خبراء علم المورفولوجي يقولون إنّ التحالف بين الأنوثة والذكورة فعليّ.
تُضاف قدرات كل جانب جنسي إلى قدرات الجانب الآخر وإلى الطاقة المرتبطة بهما فتُغني الشخصيّة. الأمر أشبه بلوحة ألوان الرسّام، فكلما كثرت عليها الألوان، كلما زادت إمكانية المزج بينها للوصول إلى درجات متنوعة.
عندما يجتمع الجانبان معاً ويتوافقان بشكل جيد، يفتحان الباب أمام زخم إبداعي يندمج به الفرد قلباً وقالباً ويبذل فيه كل ما في وسعه.
عندما يعملان معاً في تناغم وانسجام، يساهمان في انجاز مشروع أكبر منه. ويمنحه تحقيق هذا “العمل” الرضا ويساعده على تحقيق ذاته. ونتحدّث هنا عن التسامي.
في الاتحاد، يتداخل الجانبان ويندمجان، ويرتبطان ببعضهما البعض بواسطة قوة حياة تمنحنا هدفاً نحبه ونركّز جهودنا كلها كي نبلغه– لويس كورمانون.
ينعكس التسامي على الوجه عبر التناغم، وحجم كل قسم ورقة الملامح.
تحالف بالتناوب
يمكن لتحالف الجانبين الجنسيين أن يتحقق بالتناوب. وفي هذه الحالة، يكون الجانب الجنسيّ الآخر ظاهراً أكثر ويعرقل الجانب المهيمن لكن من دون وجود أيّ كبت.
ويترك كل واحد منهما بصمته بدوره بحسب متطلبات الحياة. بالتالي، عندما تظهر الحاجة إلى وظيفة أنثوية (تجاوب وتقبّل)، يسيطر الجانب الأنثوي ويدير الدفّة.
وعندما يتطلب الوضع حيويّة وزخم وروح قتاليّة، يمسك الجانب الذكوريّ باللجام.
انعكاس الميول
يأخذ جانب الجنس الآخر أهمية كبيرة إلى حدّ أنه يطغى على الميل الجنسيّ المهيمن. عندئذ، يتراجع الجانب الجنسي الرئيسيّ إلى مصاف الجانب الثانويّ…
ونتحدّث في هذه الحالة عن انعكاس الميول. أما علامات الجانب الجنسي الآخر على الشكل فتظهر بشكل واضح وجليّ على الوجه…
يؤدّي انعكاس الميول في غالبية الأحيان إلى المثليّة الجنسيّة إنما لا يحصل هذا بشكل منهجي. وإن كان شائعاً أن ينجذب الشخص إلى أشخاص من جنسه نفسه إلا أنّ هذا ليس الخيار الوحيد. فقد ينجذب أيضاً إلى أشخاص من الجنس الآخر إنما يبرز لديهم عنصر الجنس الآخر. هذا هو حال الرجال من أصحاب الميول الأنثوية مثلاً الذين ينجذبون إلى نساء مسترجلات.
يمكن أن يبرز هذا الانعكاس منذ الطفولة، فنستنتج هنا أنّ الجانب القويّ أصليّ. لكن يمكن له أن يظهر في مرحلة لاحقة، وهو ينتج في هذه الحالة عن تكييف المحيط أو البيئة.
هل من الممكن أن نشجّع ونعزز التحالف
كيف يمكن لعلم المورفولوجي أن يساعد في الجمع بين الجانبين الجنسيين علماً أنّ الأمر يجري كله في اللاوعي؟
على غرار أيّ أداة أخرى من أدوات التطوير الذاتي، يتسبب علم المورفولوجي برفع مستوى الوعي وإذكائه.
أن يُقال لك إنّ الأنوثة أو الرجولة تنبعث منك ليس بالكلام الذي يسهل تقبّله دوماً. ويمكن لهذا أن يتطلّب بعض الوقت للتفكير. وبعد انتهاء نزعة الاعتراض الأولى، ستعترف بأنّ بعض صفات شخصيّتك تذهب في هذا الاتجاه.
وفي هذه اللحظة، ستعمد أنت نفسك إلى إماطة اللثام عما تخفيه. وهذا أمر رائع إذ ستصبح قادراً على أن تحدد في أيّ مجال يمارس الجانب الجنسي الآخر تأثيره ويفرض نفوذه. (عقلي، عاطفي، جسدي).
كما يمكنك أن تكتشف أيضاً إشارات الثنائيّة أو الإزدواجيّة الجنسيّة على وجهك وأن تستنتج الوظائف المرتبطة بذلك.
أن يفهم المرء ذاته ويتقبّلها
تساهم هذه المعلومات في معرفة الذات بشكل أفضل فضلاً عن معرفة الآليات اللاواعية التي تتحكّم في سلوكياتك ومواقفك النفسيّة.
وعلى ضوء هذه المعطيات الجديدة، ستتمكن من فهم أفعالك الماضيّة وأن تستبق اللاحقة منها.
وبفضل معارفك، ستتمكن من التدخّل “بوعيّ تام” لتجعل حياتك تتجه نحو الاكتمال والتناغم. وعلى الرغم من أنك لم تختر شكلك أو جيناتك الوراثيّة أو محيطك التربويّ إلا أنك تستطيع أن تتصرف.
يبيّن القسّ بيار (Abbé Pierre) في تعريفه للحريّة معنى كلامي هذا بشكل دقيق:
افترضوا وجود رجل على متن مركب؛ هو لم يختر المركب ولا ارتفاع السارية ولاحجم الشراع؛ وهو لا يتحكّم باتجاه الريح ولا بالتيارات التي تسحبه. أما الأمر الوحيد المتاح أمامه ويتمتع بحرية اختياره فهو إما أن يرفع شراعه في الاتجاه الصحيح وإما أن يتركه مرخياً.
التناسب
عندما يعمل الجانبان بشكل متوازن، لا تتعرّض الشخصيّة لصراعات ونزاعات بل يمكنها أن تتفتّح وأن تبدع.
في الختام، سأقترح عليكم تشبيهاً مجازياً بسيطاً. إنّ الجانب الجنسيّ الآخر أشبه بملح الطعام. إن لم نضع منه كميّة كافية فلن تظهر نكهة الطعام كلها وإذا أكثرنا من الملح قضينا على الطعم.
إنّ الملح قادر على إبراز النكهات وتعزيزها بشكل رائع إذا ما وضعنا كمية كافية منه.
التعليقات مغلقة.