نوبة الهلع- ذاك اليوم الذي انعقد فيه لساني (1)
نوبة الهلع- ذاك اليوم الذي انعقد فيه لساني (1)
الاكتشاف
أ- شكراً يا نوبة الهلع
إنه بعد ظهر أحد أيام اكتوبر/تشرين الأول 2013، يوم عشت فيه تجربة مريعة. غرفة صف صغيرة في الجامعة. لا بد أنّ الحرارة 50 درجة مئويّة أو ما لا يقل عن ذلك! لم يكن هناك أيّ ضوء كاشف إلا أنّ الأنظار كلها موجّهة إليّ. شعرت بعقدة في حلقي. الكلّ ينتظر أن أتكلّم. بدا فمي جافاً. يجب أن أقول شيئاً ما، أيّ شيء. لا، ليس أيّ كلام. بالتأكيد ليس أيّ شيء! أمسكت بيديّ المرتجفتين والرطبتين ورقة طبعت عليها نصي. كان قلبي ينبض بقوة حتى خُيّل إليّ أنّ الجالسين في الطرف الآخر من الغرفة يسمعونه. ولكي أخفي صوته، بدأت خطابي بنبرة مضطربة. لا بل أسوأ من ذلك، فكلمة مضطربة لا تصف حالي بدقّة! بدا صوتي كمواء قطّة صغيرة دهستها سيارة، إنما للمرّة الثانية…
ب- مشكلة عالميّة
تأمّلت في هذا الموقف الغريب. دعوني أبوح لكم بسرّ: أنا لست شخصاً خجولاً. بالتالي، هذا الفشل جرح مشاعري وجعلني أشعر بالمهانة أكثر. أنا الذي أحب أن أنظّم حفلات التخرّج، أن ألعب دور الناطق باسم الآخرين، أن أرفع صوتي في وجه تعاليم “الخبراء” وألقي الخطابات السياسيّة في الساحات العامة… أين راحت جرأتي واختفت؟
على الرغم من تجاربي السابقة هذه، أصابني الهلع لأنّ عليّ أن ألقي خطاباً قصيراً في حين أني لست محاطاً سوى بمجموعة صغيرة من الطلّاب الشباب، الهادئين والصامتين! هذا الجرح الذي طال كبريائي جعلني أعذّب نفسي وأطرح عليها سؤالاً متكرراً: كيف يمكن لهذا أن يحدث لي “أنا”؟
في الواقع، يمكن للخجل بدرجاته المختلفة أن يطال أيّ شخص منا. اكتشفت في ذاك اليوم قاعدتين أساسيتين تتعلقان بالثقة في النفس:
• رقم 1: المسألة لا تتعلّق بالهويّة بل بالحالة الذهنيّة
• رقم 2: كان ينقصني مكوّن سريّ: التواضع. فالأنا التي أردت أن أعكسها أفضل من الأنا الحقيقية. والفارق مخيف.
ومن المفارقات أني أشعر بمزيد من الثقة منذ أن اعترفت بعيوبي وحدودي بشفافيّة.
ج- فهمتكم!
أنا أتفهّم الذين يعتبرون أنفسهم خجولين، حتى لو لم أكن خجولًا جدًا. أعلم معنى القلق في مواجهة جمهور من الناس، والخوف من الآخر، وأعرف ما يتسبب به هذا القلق وما يثيره من معاناة، وكل ما يمنعنا من تحقيقه وأهداف الحياة التي يعدنا بأن يحول دون تحقيقها إن لم نواجهه.
بعيداً عن هذا كله، أبقى مدمناً اجتماعياً حقيقياً: مدمن تماماً على اللقاءات الجديدة! أحب التحدّث أمام الناس وأعشق الحشود الغفيرة. وقصتي ليست قصة تحوّل بالمعنى الهوليودي للكلمة، لكني أردت أن أخبركم بهذه الحادثة التي حصلت لي لأنها عززت رغبتي في مساعدة الأشخاص الخجولين.
التعليقات مغلقة.