الدموع: هل تغسل القلوب حقاً؟
الدموع لغسل القلوب
ترتجف الشفاه، تدمع العيون، وتسقط العبرات حاملة معها مشاعر القلق والحزن والخوف والظلم والقهر والألم. ولكن المفارقة أن تلك العبرات نفسها تثيرها أيضاً مشاعر الفرع والتأثر والحب! ما سرّ تلك الدموع؟ لماذا تغسل قلوب البعض وتزيد قلوب البعض الآخر غمّاً؟ لماذا يسهل انهمارها من عيون البعض وتكون عزيزة عند آخرين؟
الدمع ردّ فعل انفعالي يتميّز به الإنسان عن سائر المخلوقات. الألم النفسي والجسدي مرافق للإنسان منذ الخلق. ولطالما اعتبر الدمع وسيلة لتفريغ الشحنات الإنفعالية الكبرى التي لا يقوى عليها منطق الإنسان.
لكننا أحياناً نبكي فرحاً كما في حفلات الزفاف أو احتفالات تخرّج أبنائنا أو في مناسبات سعيدة أخرى! ما سبب البكاء في هذه الحالات؟ أوليس الألم هو الدافع إليه عادة؟ في الحقيقة ترتبط دموع الفرح أيضاً بمشاعر مختلطة. فالبكاء فرحاً بتخرّج الأبناء أو زواجهم أو نجاحهم هو في الواقع إفراج عن شحنات مكبوتة من القلق الدائم عليهم وعلى مصيرهم. وعند بلوغهم “بر الأمان” المؤقت هذا نشعر بأن حملاً ثقيلاً قد انزاح عن كاهلنا ما يدفع الدموع للانهمار فرجاً.
أما دموع الألم النفسي فهي متنفّس للبعض وألم إضافي للبعض الآخر.
لماذا؟ لأن ذلك يرتبط بطفولتنا وبردّ فعل الأهل على بكائنا.
الرجال في عالمنا العربي لا يبكون بسهولة كما في الغرب. لماذا؟ لأنه قد قيل لهم مراراً وتكراراً “إن الرجل لا يبكي”، ذلك “عيب” ولا يليق “بالرجولة”. بل هو ضعف حكر على النساء فقط. بل “امتياز” لهنّ.
بعض الأهل يتعاملون مع بكاء أطفالهم بضمة حنونة أو بقبلة وتعزية ومحاولة حلّ المشكلة التي تبكيهم. هؤلاء الأولاد، حين يكبرون سيرتبط البكاء عندهم بالنهاية المريحة. إنهم يعرفون أن الدمع يحمل لهم العزاء والتضامن والتعاطف والتعبير عن الحب سواءً أبكوا وحدهم أو أمام آخرين.
وثمة فئة أخرى من الأهل تتعامل مع طفلها الباكي بقسوة. فكم مرّة سمعنا أهلاً يقولون:”إن رأيتك تبكي سأضربك” أو ” إذهب وابكي في غرفتك، لا تسمعني صوتك المزعج”، أو “أنت تبكي كالضعفاء أو كالبنات” أو ” إذا استمرّيت بالبكاء سأعطيك سبباً وجيهاً لتبكي”؟
الأولاد الذين تربّوا في مثل هذه الأجواء لن يريحهم البكاء البتة حين يكبرون. على العكس من ذلك، تزيدهم الدموع اضطراباً وألماً وتتفاقم حالتهم النفسيّة.
البكاء هو طلب صامت للدعم والمساعدة والتعاطف حتى لو حصل ذلك في وحدة غرفتنا أو خلف زجاج سيّاراتنا. ولعلّ الكلمة الطيّبة والتشجيع المحبّ والتربيتة الحنونة والتعزية الصادقة تستحق احمرار العينين وبلل الوجه والإحساس بالضيق الشديد إلى حدّ الشهيق.
الإنسان يشعر، ولو كان محاطاً بأناس كثيرين، بوحدة عميقة جداً عندما يتعلّق الأمر بمشاعره الدفينة ويحتاج، في لحظات انفعاله الشديد إلى حدّ البكاء، أن يشعر بيد تبعد عنه شبح الوحدة في مواجهة جيشانه الداخلي.
فإذا فاجأتكم حرقة في العينين واعتصار في القلب اتركوا تلك الدموع تنهمر.. لا تمنعوها .. ولا تبتلعوها..لا تكبتوها.. فلعلّ فيها فرج.. لعلها تغسل الغمامة السلبية التي تحجب عنكم الرؤية.
المصدر:فاديا عبدوش
التعليقات مغلقة.