هل أنا فاشلة فعلاً : النساء ومتلازمة المحتال (3)

” أنا فاشلة ”

ما هو مصدر “متلازمة المحتال”؟ هل أنا فاشلة فعلاً؟

ذُكر مصطلح “متلازمة المحتال” للمرة الأولى في دراسة أجرتها طبيبتان متخصصتان في علم النفس هما بولين روز كلانس وسوزان ايمس في العام 1978 على نساء عاملات.
لم تستخدم المشاركات في هذه الدراسة أنذاك عبارة “أنا فاشلة” بحرفيتها بل اعتمدن عبارة “أشعر بأني غير كفوءة” و”قد يلاحظ الآخرون ذلك في أيّ لحظة”.
تحدّث العديد من الممثلات الشهيرات، من بينهن ناتالي بورتمان، كايت وينسلي، جودي فوستر وميريل ستريب اللواتي نحبّهن جميعاً، عن شعورهن بأنهن لا يستحققن مكانتهن، وبأنهن لم يفعلن ما يلزم ليصلن إلى ما وصلن إليه.
تُعتبر النساء ومنذ وقت طويل أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة المحتال من الرجال. لكن هذا لا يعني أنّ الرجال محصّنون ضدها ولا يعانون منها.

التوازن بين النساء والرجال

ثمة عدد كبير من الأسباب التي تفسّر هذا الخلل في التوازن بين النساء والرجال. ولعل أهم هذه الأسباب هو الضغط الذي تتعرّض له النساء في حياتهن اليومية ليكن “كاملات ومثاليات” على جميع الأصعدة.
ويأتي هذا الضغط من مصادر متعددة كوسائل الاعلام (البرامج التلفزيونية، المجلات، الخ…)، والقيم الاجتماعية السائدة، وتعليقات الآخرين، وغيرها…
فغالباً ما نتوقّع من النساء مثلاً أن ينجبن الأطفال حتى اللواتي لا يشعرن بالحاجة إلى ذلك. كما يُتوقّع من اللواتي أنجبن أن يكنّ أمهات “مثاليات”.

ونتوقّع من النساء أيضاً أن يحافظنَ على منازلهن نظيفة ومرتبة من دون أن يتخلينَ عن مسيرتهن المهنية اللامعة…

ودعونا لا ننسى مصادر الضغط المختلفة كي يكنّ جميلات ونحيفات!
إنّ الطريقة الشعبية للإشارة إلى هذا الضغط الاجتماعي هي “متلازمة المرأة الخارقة”.
لكن هذا لا ينفي وجود أسباب اجتماعية عديدة تجعل النساء يعانين أكثر من الرجال من متلازمة المحتال.
مع مرور السنوات، نكبت في داخلنا الخطابات المهيّمنة التي نحن على تماس معها: ما يقوله الأهل، والأصدقاء، والزملاء، والمقالات التي نقرأها، والاعلانات، فتتحوّل في نهاية الأمر إلى قناعات يصعب علينا أحياناً أن نتعايش معها.
وهي تحتلّ أحياناً حيّزاً كبيراً إلى حدّ أننا نفقد قدرتنا على أن نرى أنها معتقدات نسبيّة، بل على العكس من ذلك، نراها كأدلة وبراهين!

وما أن نرى أنّ ما يعتبر علامات النجاح وما يراه المجتمع جديراً بالنجاح لا ينطبق علينا، نبدأ في التشكيك في أنفسنا ويتملّكنا الشعور بالذنب…

هل أنا فاشلة فعلاً؟

إنها تربة خصبة حيث يحلو لمتلازمة المحتال أن تنمو وتكبر.

وبما أنّ النفس البشريّة معقّدة، يمكن لعناصر أخرى أن تساهم في نمو هذه المشكلة. ولن أدّعي هنا أني قادرة على شرح كافة أسباب متلازمة المحتال!
مما لا شك فيه أنّ هذا الشعور بالنقص يختلف من شخص إلى آخر، إلا أنه موجود… ومستمر.
إذن، متلازمة المحتال مشكلة حقيقية تنشر حقدها في كل مكان.
لكن، ألا ينبغي أن نكون فخورين بانجازاتنا؟
ألا نستحق اعجاب وتقدير الآخرين في المجالات التي نبرع فيها؟
ألا ينيغي أن نثق بمواهبنا وكفاءاتنا؟
أنا مقتنعة بأن الجواب هو بلى.

لمَ نتحدّث عن “متلازمة المحتال”؟

تشير كلمة “محتال” إلى شخص ليس في مكانه الصحيح، شخص يخدع الآخرين. ولهذا السبب، يتملّك الشخص الذي يعاني من متلازمة المحتال هذا الشعور الغريب بأنه لا ينبغي له أن يكون حيث هو الآن.
يمكن لمتلازمة المحتال أن تصيبنا في الحاضر عندما نشعر بأننا لا نستحق مكاننا، مسيرتنا المهنية، علاقاتنا أو راتبنا على سبيل المثال.
ويمكن لهذه المتلازمة ان تطال كافة أوجه حياتنا تقريباً، شرط أن تكون هذه الجوانب من حياتنا ايجابية وأن نشعر بأننا لا نستحقها…

لكن يمكن لها أن تجعلنا نعاني في ما يتعلق بمستقبلنا.

وهذا ما يحصل عندما نعتقد أننا لا نستحق ما نرغب فيه، ما يجعلنا نقتنع بألا نبذل أيّ جهد لتحقيقه أو نيله.
في الحقيقة، إنّ ما نفعله لنيل شيء ما يُثبت بالدليل القاطع أننا نستحقه.
عندما نعمل بجدّ للحصول على شيء ما ونحصل عليه، فهذا يشير إلى أننا نتمتع بالموهبة وأننا طوّرنا المؤهلات اللازمة وأننا جديرون بما حققناه!

لكن الشخص الذي يعاني من متلازمة المحتال لا يرى الأمور على هذا النحو بل هو يعيش مع هذا الشعور المستمر والملحّ بأنّ شخصاً ما سيأتي في أيّ لحظة ليقول له: “عفواً، لكن لا ينبغي لك أن تكون هنا.”
يمكن لهذا القلق أن يظهر ويغيب لكنه مستشرٍ ومزعج جداً في بعض الحالات الأشدّ حدّة.
إذا وجدتم أنّ كل ما وصفته أو جزءًا منه ينطبق عليكم فتابعوا القراءة.
فعندما نترك متلازمة المحتال تكبر فينا وتنتعش، يمكن حتى لنسختها “الأخف وطأة” أن تتآكلنا من الداخل وأن تتفاقم وأن تزيد حياتنا صعوبة أكثر فأكثر.

اقرؤوا القسم الأول من المقالة: لماذا أشعر أني فاشلة : النساء ومتلازمة المحتال (1)

اقرؤوا القسم الثاني من المقالة: متلازمة المحتال: ما الذي يعنيه أن نشعر بالفشل دائماً (2)

انتظروا القسم الرابع من المقالة كيف يؤثر الشعور بالفشل على المرأة : متلازمة المحتال (4)