4 دروس من الحياة لكي نتحرر من الخوف الذي نعيشه الآن
التحرر من الخوف
كنا نناديها ديدي.
وقد توفيت منذ بضع سنوات عن عمر ناهز 96 سنة!
إنها صديقتي المقرّبة ومرشدتي نوعاً ما. كنا نخوض نقاشات لا تنتهي حول الحياة والموت والكثير من المواضيع الأخرى.
أودّ اليوم أن أروي لكم قصة حقيقية حصلت معها.
إنه السادس والعشرون من شهر ديسمبر/كانون الأول من العام 2004. وكانت حينها في الرابعة والثمانين من عمرها. في نهاية كل عام، كانت تتوجه مع مجموعة من الأصدقاء إلى مدينة فوكيت في تايلند حيث اعتادت أن تسبح كل صباح في عرض البحر كي تجدد شبابها وقواها.
لكن في ذلك الصباح الذي تلا عيد الميلاد، وربما بفضل نداء من أعماق الروح (هذا ما نسميه “الحدس”)، بقيت على الشاطئ.
وكم تفاجأت حين رأت البحر يتراجع بسرعة جنونية لا تُصدّق! وجعلها لاوعيها تدرك على الفور ما يحصل: إنه تسونامي!
كان الشاطئ يمتد على أراضٍ منخفضة فسارعت إلى تنبيه الأشخاص المحيطين بها ثم صعدت على عجل الأدراج الكبيرة لتصل إلى ارتفاع حوالى عشرين متراً.
جلست بعد هذا الجهد العظيم ورأت الموجة الأولى تصل. موجة ضخمة تكسّرت على بُعد أمتار قليلة منها ومن ثم تراجعت. لكن موجة ثانية أتت في إثرها وحملت معها هذه المرة سيارات وجذوع أشجار… وأجساد بشر. وها هي الموجة الثالثة، ومن ثم الرابعة… موج اجتاح المشهد الممتد أمامها قبل أن يهدأ فجأة ويسود صمت يصمّ الآذان، يتخلله صرخات استغاثة.
لكن ديدي روّضت الموت. بقيت كي تساعد أولئك الذين نجوا.
أدى هذا التسونامي إلى سقوط مئات الضحايا في المحيط الهندي ذاك العام. وأرادت ديدي أن تعود إلى المكان في السنة التالية. وهناك…
ما من أثر للمأساة، فقد عادت الحياة إلى مجاريها
لم تخشَ العودة إلى هناك! فمثل هذا الحدث لا يحصل في نهاية الأمر سوى كل 100 و200 عام! إذا ما عدت بالذاكرة إلى هذه الحكاية فلأنها تذكّرني “بالتسونامي الفكري والعاطفي” الذي نعيشه اليوم. فدعونا نستخلص منه الدروس والعبر القيّمة.
أود أن أقدم لكم أدلّتي الخاصة، وأحاسيسي الشخصيّة وأنا واثقة من أنكم ستجدون الكثير غيرها.
1) “ما يحصل ليس ما نتوقّعه أبداً”
كانت تجلس هادئة على الشاطئ. وما هي إلا ثوانٍ حتى حلّت الكارثة.
ماذا عن الكوفيد؟ هل خُيّل إليكم قبل عامين أننا سنعيش مثل هذا الكابوس من المعلومات والمعلومات المضادة؟
هذا الغياب للمرجعيّة؟
وهذا الفقد التدريجي لكافة حرياتنا؟
هذا القدر من التناقض وعدم التناسق في إدارة هذه الأزمة؟
لا، لم يكن أحد منا يتوقّع هذا.
لكن العبرة تعتمد بشكل خاص على رد فعلنا تجاه هذه المأساة….
2) عاشت وحيدة لسنوات وكانت تمارس التأمل في كل يوم
تعلّمت كيف تصغي إلى روحها وهذا ما أنقذها نوعاً ما. لقد تحررت منذ وقت طويل من ذاك الخوف المستعر دوماً في داخلنا من الموت. هذا الخوف الذي يشلّ، الذي يجبرك على أن تبقى جامداً، متجمداً.
وتحررها من هذا الخوف سمح لها بأن تتصرّف سريعاً بحكمة وبصيرة: علمت تماماً ما عليها أن تفعل كي تنقذ نفسها.
3) كم واحد منا يتابع هذا “التسونامي من المعلومات” لحظة بلحظة؟
لتجرفه بالتالي موجة الخوف المدمّرة؟ هذا الخوف الذي يشلّ الإشارات العصبية لدينا، ويقضي على الفكر النقدي فينا.
هذا الخوف الذي يجعلنا نتصرف كالنعامة فندفن رؤوسنا في الرمال، ونترك هامشاً كبيراً لكل اولئك الذين يريدون التلاعب بنا والتحكّم فينا.
“خرجت ديدي من القالب”.
ارتفعت (بضع درجات كانت ضرورية) لكنها اكتسبت رؤية شاملة سمحت لها بأن تتخذ قرارات مناسبة.
في إطار هذه الحرب العالمية على مستوى المعلومات، ومحاولات الانقلاب على الانسان، تراجعوا لحظة إلى الخلف وتريثوا وانظروا من بعيد!
لا تنظروا إلى الأخبار بعدسة مكبّرة، فلن تروا سوى بيكسلات شاشة التلفزيون! شغّلوا النصف الأيمن من دماغكم كي تتمكنوا من التمييز بين القمح والزوان (أيّ بين الصح والخطأ). ثقوا بحدسكم ولا تخضعوا بخنوع للفكر الأوحد. إذا نبّهتكم غريزة البقاء لديكم إلى ضرورة أن تتجنبوا هذا الأمر أو ذاك، فاصغوا إليها.
الأوامر تمرّ، والأفعال من شأنها أن تترك أثراً مدى الحياة
يسمح التعالي بأن يصبح لديكم رؤية أكثر عمقاً.
ما تعتقدون أنه طريق مسدود قد يتبين أنه درب الزامية نحو مستقبل أكثر اشراقاً. هذه هي التعاليم الدينية وغيرها من الفلسفات.
4) “بعد العسر يسر”
الجسم سيشيخ لا محالة. لكن ذبذبات روحنا الفردية وروح العالم لا تنفك ترتفع، حتى تتكشّف يوماً ما.
ولهذا، مهما حصل، كنت وسأبقى متفائلة.
اعتنوا بأنفسكم.
التعليقات مغلقة.