ما الذي يتغير فينا بعد موت الأهل؟ ولماذا يرافق موتهم شعور قوي بالذنب؟

0

بعد موت الأهل، يشعر المرء كأنه قد فقد جزءً من ذاته، تتغير الحياة كثيراً، وبشكل جذري. ها قد رحل الشخصان اللذان ساندانا منذ ولادتنا لحظة بلحظة. ها قد أصبحنا أيتاماً. حتى ولو كنا بالغين، هي تجربة ستترك فينا وجعاً لا يمكن وصفه.

في أعماق كل شخص، هناك دائماً طفل يستطيع أن يلجأ إلى أبيه أو أمه حتى يشعر بالحماية. لكن عندما يرحلان، يختفي هذا بشكل نهائي.

سنتوقف عن رؤيتهم كل عمرنا الباقي. الأهل هم الأشخاص الذين جاءوا بنا إلى هذا العالم ومعهم تشاركنا أكثر لحظاتنا حميمية وأكثرها ضعفاً.

لن يعود هؤلاء الأشخاص الذين أصبحنا بفضلهم ما نحن عليه اليوم.

” عندما يتمسك المولود الجديد بإصبع أهله بقبضته الصغيرة للمرة الأولى، يتمسك بها كل حياته ”

الموت : بين أن نتكلم عنه وأن نعيشه، هناك فرق

لا يمكننا أن نكون جاهزين سلفاً أبداً لمواجهة الموت، وخصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بالأهل. إنها محنة كبيرة من الصعب دائماً أن نتجاوزها تماماً.

لنستطيع تجاوزها، على الأقل نظرياً، يجب أن نفهمها، ودائماً ما يكون الموت غير مفهوم.

إنه أحد أكبر أسرار الوجود : ربما يكون الأكبر.

بالتأكيد، الطريقة التي نتعامل بها مع الخسارة لها علاقة وثيقة بالطريقة التي حدث بها الموت.

الموت الطبيعي مؤلم ولكنه أقل إيلاماً كثيراً من الموت بسبب حادث أو عملية قتل. إذا كان الموت مسبوقاً بمرض طويل، ستكون ردة الفعل مختلفة عما إذا كان مفاجئاً.

الفارق في الزمن بين موت كلٍ من الأبوين له تأثيره أيضاً : إذا كان هناك بعض الوقت، سيكون الحداد صعباً. إذا كان فارق الوقت أطول، سنكون جاهزين أكثر لتقبل الموت.

إنه ليس مجرد جسم يرحل، إنه عالم كامل، عالم مصنوع من الكلمات، من اللمسات، من التصرفات. نفتقد كل هذا بطريقة لا نستطيع أن نصدقها.

لا يمكن التنبؤ بالموت. يمكننا توقعه ولكننا لا نعرف حقاً متى يحدث.

الكثير من الأحداث التي عشناها إلى جانبهم، الجيدة والسيئة، تجعلنا نرتجف فجأة ونغرق قي الذكريات. هذه المرحلة انتهت وحان وقت الوداع.

“إنه هنا، ولكنه ليس هنا”…

نعتقد عموماً أن هذا اليوم لن يأتي أبداً، حتى يأتي بكل ثقله وواقعه المؤلم.

نشعر بالصدمة ولا نرى إلا صندوقاً خشبياً يحتوي جسماً متصلباً وهادئاً لا يتكلم ولا يتحرك، إنه هنا، ولكنه ليس هنا…

يجعلنا الموت نفهم جوانب عديدة من حياة الأشخاص الذين ماتوا. ويحلّ علينا فهم أعمق لهم.

ربما لأن هؤلاء الأشخاص لم يعودوا موجودين، فهذا يسمح لنا أن نفهم بشكل أفضل مواقفهم التي كانت غير مفهومة حتى الآن، وكانت حتى متناقضة، وحتى منفرة.

لهذا يمكن أن يحمل الموت معه شعوراً قوياً بالذنب تجاه المتوفى أو المتوفية.

من الضروري أن نحارب هذا الشعور، لأنه لا يفيد بشيء، إذا وضعنا جانباً الحزن الإضافي الذي يستحيل أن نتعزى به.

لماذا الشعور بالذنب لأننا ارتكبنا أخطاء ؟ نحن كائنات بشرية وهذا الوداع يجب أن يتضمن المسامحة والصفح : من قِبَل الذي رحل تجاه من بقي ومن قِبَل من بقي تجاه من رحل.

استفيدوا من وجودهم معكم بقدر ما تستطيعون : لن يكونوا دائماً إلى جانبكم

عندما يموت أهلنا، مهما كان عمرهم، نشعر غالباً بالهجران. إنه موت مختلف عن غيره.

بعض الأشخاص يرفضون أن بعطوا لهذا الحدث الأهمية التي يستحقها، ليحموا أنفسهم. لكن هذا الحداد المؤجل، أو المجمد، يتحول إلى مرض، إلى تعب، إلى عصبية أو إلى كآبة.

الأهل هم الحب الأول. مهما كان حجم النزاعات أو الاختلافات بينكم وبينهم : إنهم كائنات فريدة من نوعها ولا يمكن لأحد أن يحل محلهم على الصعيد العاطفي، حتى لو كنا مستقلين بذاتنا، وحتى لو كانت علاقتنا بهم مختلة.

عندما لا يعودون معنا، نشعر بغيابهم ولا نعود نستفيد أبداً من حمايتهم أو من دعمهم الذي كان موجوداً دائماً.

في الواقع، من لم يعرف والديه، أو ابتعد عنهم في مرحلة مبكرة من عمره، يعيش طوال حياته مع ثقل الغياب. هذا الغياب الذي

هو في النهاية حضور : هناك في قلبنا مكان يعلن عن هذا.

على كل حال، إحدى أكبر الخسارات في الحياة هي فقدان الأهل. وهذا قد يكون صعباً تجاوزه، خصوصاً إذا كنا قد أهملناهم أو تصرفنا معهم بشكل سيء.

لهذا من المهم أن نعي، ما داموا على قيد الحياة، أنهم ليسوا خالدين، وأنهم وراثياً ونفسياً هم الأصل في وجودنا، وأنهم فريدون من نوعهم وأن الحياة ستتغير بشكل جذري عندما يرحلون.

لمتابعة المزيد من المقالات المشابهة يمكنكم زيارة موقع حياتنا

أو صفخة الفيسبوك: أفكار تغير حياتك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.