العائلات الملعونة : لعنات تنتقل في العائلة لمئات السنين (2)

العائلات الملعونة أسرار، تواريخ تتكرر، تأثير الأسماء
عملت آن انسيلين-شوتزبرغر، رائدة العلاج النفسي بالدراما في فرنسا وواضعة التاريخ النفسي المتوالي عبر الأجيال، على أوضاع وحالات غريبة طبعت تاريخ كل عائلة: الأسرار، التواريخ المتكررة، تأثير الأسماء. وهي تقول إنه يوجد أحياناً سلسلة من الأحداث التي يمكن أن تشبه اللعنات الحقيقية إلى حدّ بعيد.

هذا هو حال جان دو مورتولاك Mortelac

هو مهندس في الخامسة والأربعين من عمره، جاء لاستشارتها لأنّ موت أخيه الصغير شكّل صدمة بالنسبة إليه. والأمر الأغرب هو أنّه في كل جيل في عائلته، يقضي طفل، دون الثالثة من عمره، في الماء، سواء في بحيرة أو مستنقع أو بركة، وذلك منذ ألف عام. هذا الخطر الذي يهدد ذريّته الخاصة أثار قلقه وخوفه إلى حدّ أنه قرر ألا ينجب أطفالاً… مما لا شك فيه أنّ لأسماء العائلات معنى في أغلب الأحيان: محلّة ما، سمة جسديّة، مهنة أو حدث ما. واسم مورتولاك يوحي بميتة عنيفة ومفاجئة حدثت في الماضي في بحيرة (لاك أو lac بالفرنسية تعني بحيرة- ومور أو mort تعني الموت)… لكن لمَ ما زلنا نشهد اليوم موت أطفال غرقاً؟ وتجيب آن انسيلين-شوتزبرغر: “ثمة الكثير من الأمثلة من هذا النوع، وهي لا تقتصر على العائلات الشهيرة. هل هي لعنة؟ لا أعلم. ما أعرفه هو أننا عندما نبني بعناية شجرة العائلة، يمكن أن نكتشف عدداً من التركيبات الوراثية التي تشهد تكرراً. يمكننا أن نعتبر هذا كنوع من التراكم للعنات عائلية يوميّة صغيرة كتلك التي نعرفها أنا وانتم. إنّ عدد الأولاد مثلاً، وفارق الأعمار بينهم، وعدد الزيجات، وحالات الإجهاض وإسقاط الأجنّة، ليس إذاً محض صدفة. ثمة أصل أو مصدر، حدث محرّض أو محفّز.”
قاعدة غير مدوّنة

جاء جيروم وهو شاب في العشرين من عمره لاستشارتها لأنه كان يرسب باستمرار في امتحاناته. وعندما عملا على رسم العلاقات الاسريّة، اكتشفا أنّ أربعة عشر قريباً له رسبوا في شهادة البكالوريا منذ مئة عام. الأصل؟ أحد الأجداد طُرد من منزل العائلة ليلة امتحان البكالوريا لأنّ… الخادمة حملت منه! الفرضيّة المقدّمة: يحمل هو وأقاربه عبء هذه “الغلطة الأصليّة” على شكل فشل متلاحق ومتكرر كما لو أنّ العائلة تريد أن تعاقب نفسها.

وتتابع آن انسيلين شوتزبرغر كلامها قائلة:

“في السياق نفسه، يمكننا أيضاً أن نتحدّث عن العائلات ذات الزيجة الواحدة، والعائلات المتعددة الزيجات، والعائلات التي تشهد حالات طلاق أو ترمّل. وثمة عائلات تتكرر فيها حالات الإنتحار، أو الموت العنيف والمفاجئ، وعائلات بأطفال مولودين خارج إطار الزواج أو أطفال زنى أو بأطفال شرعيين فقط. ويمكننا أن نتحدّث أيضاً عن عائلات “متبطلة” وأخرى “عاملة نشيطة”، تصعد وتهبط السلم الاجتماعي فيظهر لديها ما نسميه “صدمة الطبقة”. يبدو أنّ هناك قاعدة غير مدوّنة، يتبعها كل واحد منا في فكره كما في جسده.”

“حظّ” سيء؟

ما هو القانون الكوني الذي من شأنه أن يتسبب بهذه السلسلة من المصادفات التي ليست سوى “حظ” سيء بالنسبة إلى البعض؟ في الوقت الراهن، وفي وضع المعارف الحالي، من الصعب لا بل من المستحيل أن نشرح علمياً هذا النوع من الظواهر. على صعيد علم النفس، تحدّث فرويد عن “الروح الجماعية” لكنه توقّف عند هذا الحد. ناقش يونغ مطوّلاً مفهوم “اللاوعيّ الجماعي” الذي ينشأ انطلاقاً من كافة التجارب النفسية الانسانية منذ بداية الزمان والتي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من شخصيتنا. وأشارت فرنسواز دولتو إلى مشكلة تناقل الصراعات والنزاعات العالقة والأسرار العائلية من جيل إلى جيل. لكن هذه النظريات تبقى غير كافية لتقديم تفسير كامل لظواهر التكرر.

تابعوا القسم الأول من المقالة: ظاهرة العائلات الملعونة: كيف تبدأ اللعنة وأين تنتهي ؟ (1)
تابعوا القسم الثالث من المقالة: الكلمات الملعونة : كيف تصنع الكلمة لعنة تنتقل من جيل إلى جيل ؟ (3)

التعليقات مغلقة.