الكلمات الملعونة: كيف تصنع الكلمة لعنة تنتقل من جيل إلى جيل ؟ (3)
الكلمات الملعونة: كيف تصنع الكلمة لعنة تنتقل من جيل إلى جيل ؟ اليكم:
غلطة الأب
يشرح ديديه دوماس، وهو محلل نفسي، اشتهر بفضل كتابه “الملاك والشبح” الذي يفصّل فيه تناقل الإرث النفسي من لاوعي إلى آخر : “لنفهم ما يجري، يجب أن نعرف أنّ نمط انتقال الخطأ من الأب على مدى 3 أو 4 أجيال موجود في كافة التقاليد منذ بداية الزمان.” وذهب أبعد من ذلك في كتابه الأخير “والولد كوّن الأب”، حيث أكّد أنّ أيّ نظرية كاملة في التحليل النفسي لا يمكن إلا أن تكون منتقلة عبر الأجيال. “لاحظت ذلك أثناء ممارستي لمهنتي، لكن لنأخذ الكتاب المقدّس، وهو أكبر نظرية وأطروحة نعرفها عن الأب، أو أساطير هنود لاكوتا، أو النصوص البوذيّة أو الحكايات الطاويّة… نجد فيها مئات الأمثلة: أبٌ أو جدٌّ ارتكب خطأ وتحمّل الولد التبعات.”
ومثال العائلة الملعونة بامتياز في الأساطير الاغريقية هي سلالة الأرتيديون: سرق تانتالوس، ابن زيوس، شراب الآلهة واحتساه وذبح ابنه بيلوبس قبل أن يقدّمه طعاماً للآلهة. هذا أصل سلسلة من الكوارث ستصيب أجاممنون، أوريستيس وغيرهم من أبناء هذه السلالة. ويتابع ديديه دوماس قائلاً: “حتى أوديب عانى من هذا النوع من المشاكل! إذا راجعنا الأسطورة لاكتشفنا أموراً مثيرة جداً للاهتمام: أخطاء والده لايوس وجدّه لابداكوس وهكذا دواليك. محى فرويد هذا الجزء من التاريخ واقترح نظرية غير مكتملة عبر التركيز على سفاح القربى فقط. أنا أرى أن اللاوعي المتوالي عبر الأجيال هو فرديّ ومشترك في الوقت نفسه، وهو يشكّل جزءاً من كل واحد منا ومنّا كلنا…”
قوة الكلمات، هل هذا مستحيل؟
وماذا عن لعنة جاك دو مولاي الرهيبة؟ صحيح أننا نستطيع أن نتساءل أيضاً عن تأثير الكلمة القويّة، وهو ما يمكن أن نسمّيه “ضغط النبوءة السلبيّة”: التأثير اللاواعي لما قيل أو تم التنبوء به، يرسّخ السلبي والضار والموت ويُمكن أن يُتناقل من جيل إلى جيل… قوة الكلمات وقدرتها، هل هذا مستحيل؟ تروي آن انسيلين شوتزنبرغر أنها اكتشفت تقليداً أقل ما يُقال فيه إنه غريب فيما هي تعمل مع عائلات في الإغتراب، لاسيما في بلاد المغرب العربي. في تونس، وفي منطقة قرطاج، عندما يرغب الأب في أن يُرزق بصبي، يعمد إلى اطلاق اسم داليندا على آخر مولودة. لكن داليندا ليس اسماً عربياً بل هو كلمة لاتينية تأتي من عبارة Delenda Cartago أو يجب تدمير قرطاج. ولفظ داليندا يعني إذاً أنّ نسل الفتيات يجب تدميره. ولا يلحق أيّ أذى بالطفل بالتأكيد لكن سلسلة الفتيات تتوقّف ويولد الصبيان. إن قال الأب: “أريد ابناً؟” فلا ينجح الأمر… هل هي صدفة؟ كيف يمكن لهذا التقليد القديم الذي يعود إلى ألفيّ عام أن ينجح؟ كيف يمكن لكلام الأب أن يؤثر في علم الوراثة؟ ما من تفسير منطقي.
“التحدّث بالسوء” يؤثر سلباً في الآخرين
ما نعرفه بشكل مؤكّد ومنذ وقت طويل هو أنّ الكلام السيء يؤذي الآخرين، نفسياً وجسدياً. يؤكّد الأطباء النفسيون أنّ وصف الولد بالفاشل على سبيل المثال سيجعله في نهاية الأمر فاشلاً فعلاً. سيُصاب بما يُسمى “بالغباء الاجتماعي”. كما أنّ ايهام شخص ما بأنه مريض قد يجعله مريضاً فعلاً. يمكننا أن نقول إنّ ثمة فارق بين الأضرار التي تسببها الكلمة القاسية واللعنة التي تُطلق. ربما نعم وربما لا.
كسر اللعنة
يرى ديديه دوماس أنّ إدراك الأشباح التي تطاردنا يسمح لنا بالتمييز بين ما يعود لنا أيّ مشاكلنا الخاصة وما يعود لأسلافنا. إنه إدراك ضروري وأساسي في عملية الشفاء. إنما لا بد من أن نعمل على أنفسنا أيضاً! يُمارس التحليل النفسي المنتقل عبر الأجيال إما في جلسات فردية وإما ضمن مجموعة حيث نتعلّم كيف نعود إلى الوراء في شجرة العائلة عبر إجراء تحقيق جديّ بشأن أصولنا. بعدئذ، نسجّل على هذه الشجرة، الأحداث البارزرة (زيجات، ولادات، وفيات، الخ…) ونقارنها ببعضها البعض. هذا الجدول الذي يحمل اسم “العرض المصوّر للعلاقات الأسريّة والتاريخ الطبي” يسمح بتحليل “التاريخ النفسي”. عند العثور على تكرار لأحداث مألوفة ضمن الأسرة، يمكن أن نستخدم طريقة الدراما النفسية، كما يحصل في مجموعات آن انسيلين شوتزبرغر: يجري “تمثيل” بعض المراحل أو الأحداث المؤلمة في حياة السلف. هذه التقنية تسمح بإضفاء معنى على الأحداث وتساعدنا على الخروج من حلقة الأحداث المتكررة المفرغة.
ظاهرة العائلات الملعونة: كيف تبدأ اللعنة وأين تنتهي ؟ (1)
العائلات الملعونة : لعنات تنتقل في العائلة لمئات السنين (2)
التعليقات مغلقة.