أشعر بوحدة قاتلة. هل تعلمون أن الوحدة تقتل فعلاً؟ (1)
1- العيش سوياً أو الموت
أ- العيش وحيداً
هل شعرت يوماً بشيء من الكآبة؟
حلّ يوم الجمعة بعد أسبوع طويل. أنت ترغب في أن تصفّي ذهنك. تريد الخروج من المنزل، تريد أن تتنفس الهواء المنعش، أن ترتاد الأماكن الدافئة، أن تعانق الأصدقاء، أن تضحك، أن تستمتع بملذات السهرة وتخزّن بعض الذكريات الرائعة!
لكن هاتفك صامت ولن يرن. صديقتك مسافرة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع. أصدقاؤك يزداد غيابهم. جارك يبلغ من العمر 75 سنة. وما من حبيب أو صديق أو جار بالنسبة إلى البعض الآخر…
تنظر من النافذة. الصمت يخنقك. لكنك لا تعرف ماذا يمكن أن تفعل أو متى ستستمتع برفقة حقيقية. ربما غداً؟
ب- الوحدة، هل هي خطيرة؟
“تسبب قلة العلاقات الإجتماعية مخاطر صحية كبيرة تنافس مخاطر التدخين، ارتفاع ضغط الدم ومعدل الدهون والبدانة.”
في العام 2010، أجرى ثلاثة باحثين أميركيين من جامعة بريغهام يونغ، دراسة جديدة مدهشة! التدخين يقتل. الكلّ يعرف ذلك، حتى المدمنين عليه وحتى أولئك الذين يعتبرون أنّ سيجارة الصباح تستحق الموت من أجلها بعد عذابات فظيعة. لكن من كان ليتخيّل يوماً أنّ الوحدة خطيرة بقدر السيجارة؟
لاحظوا التناقض! يلجأ العديد من المدخّنين في سن مبكرة إلى عالم السجائر ليهربوا من الوحدة. شباب يافعون يبحثون عن الإنتماء لمكان ما… إذن، السرطان أم الوحدة؟ معادلة خاطئة كئيبة تماماً. لحسن الحظ، أنّ ثمة سبل أخرى. كما أنّ العلاقات تحمينا بطرق عديدة. ولكن لنعد أولاً إلى الدراسة!
منذ سنوات عديدة، توصّل العلماء إلى تحديد الرابط بين العلاقات الإجتماعية من جهة، والصحة العقلية، والأمراض الجسدية، والوفيات من جهة أخرى. وبسبب النتائج الصادمة لهذا الرابط، وضعت جوليان هولت لونستاد وفريقها، أهدافاً أكثر جنوناً:
- تحديد إلى أي مدى تخفّض علاقاتنا الإجتماعية معدل الوفيات
- تحديد ما هي أوجه علاقاتنا الإجتماعية التي يمكن أن تتنبأ بيوم وفاتنا
- تحديد العوامل التي تقلل من خطر الموت
ج- زيادة فرصتكم في البقاء على قيد الحياة
بعد جمع بيانات 148 دراسة (308849 مشارك)، أثبت الباحثون التالي:
يرتفع احتمال البقاء على قيد الحياة بنسبة 50% لدى الأشخاص الذين يتمتعون بعلاقات إجتماعية قوية، وذلك بغض النظر عن جنسهم، عمرهم، حالتهم الصحية الأولية، أو سبب وفاتهم النهائيّ.
يستحق هذا الاستنتاج أن تعيدوا قراءته مئة مرة: قوموا ببناء علاقات اجتماعية قوية وستزداد فرصة بقائكم على قيد الحياة بنسبة 50%!
2- العلاقات الاجتماعية، ما الذي نتحدث عنه؟
أ- عن فن ضائع
تظهر دراسات عديدة كيف تتراجع نوعية علاقاتنا الإجتماعية وكميتها في مجتمعاتنا الصناعية:
- يتزوج الأفراد في سن متأخرة عن ذي قبل
- ينتهي زواج واحد من أصل اثنين بالطلاق
- يترافق تطور التنقّل باقتلاع كبير من الجذور
- يتراجع التواصل بين الأجيال (الدليل هو جارك المسنّ)
- منذ التسعينيات، ازداد عدد الأميركيين الذين صرّحوا أنّه ليس لديهم شخص مقرّب بمعدل ثلاثة أضعاف
بالرغم من العولمة والتكنولوجيا العالية، نحن بعيدون كل البعد عن القرية العالمية التي وصفها ماك لوهان. من الواضح أن الأجهزة والهواتف الذكية كلها لا فائدة منها من دون تدريب حقيقي على فن الحوار!
لم يدرك هذه الحقيقة إلا عدد قليل من الأشخاص. في الواقع، لا تعتبر المؤسسات الصحية الأساسية، ولا عامة الناس الإفتقار إلى العلاقات خطراً يهدد الحياة. لهذا، يُنظر إلى “العلاقات الإنسانية” على أنها متغير غير دقيق ما يحول دون دراستها بجديّة.
ب- تكلّم ببساطة…
هل تلقي التحية على جارك عندما تراه؟ هذه علاقة إنسانية. هل تقول “مرحباً” للنادل في القهوة كل صباح؟ هذه علاقة إنسانية. هل تتبادل أطراف الحديث مع معلّمك، رب عملك، شريكك، زميلك؟ هذه علاقة إنسانية. هل تتصل بوالديك؟ هل تمضي وقتاً مع أطفالك؟ هذه علاقة إنسانية كذلك!
أي تفاعل يجمع شخصين هو عبارة عن علاقة إنسانية. قد تدوم العلاقة لوقت طويل أو قصير، ويمكن أن تكون صادقة نسبياً، وحميمة أو لا…
اختلف تعريف العلاقة الإنسانية بين الدراسات الـ148 إلا أنها رصدت كلها هذه المعايير الثلاثة:
- درجة الاندماج في الشبكات الإجتماعية
- العلاقات الداعمة لديك
- تصوّرك لمدى توافرها.
تابعوا الجزء الثاني من المقال قريباً.
التعليقات مغلقة.