3 مستويات من الناس. لماذا اخترت أن تكون في المستوى الأسوأ ؟
3 مستويات من الناس. لماذا اخترت أن تكون في المستوى الأسوأ ؟
مراحل النضج الثلاث
غالباً ما نقول وبشكل كاريكاتوري إنّ الناس ينقسمون إلى ثلاث فئات. أما رأيي الخاص فهو أنّ ثمة ثلاث مراحل من النضج.
أ- الأرواح أو العقول العظيمة التي تتحدّث عن الأفكار
ب- الأرواح أو العقول المتوسطة التي تتحدّث عن الأحداث
ج- الأرواح أو العقول الوضيعة التي تتحدّث عن الآخرين
أ- في أسفل السلم
يبقى قسم كبير من الناس عالقاً في المراحل السفلى. مرحلتان تقيّدانهم في الحاضر والتبعيّة.
ترهق العقول الصغيرة نفسها في إجراء مقارنة بينها وبين الآخرين من دون توقّف، على غرار كافة المشاهدين المخلصين لبرامج الواقع وغيرها من البرامج الحديثة التي تعزز الغباء، الذين يجدون، من دون أن يعترفوا بذلك، راحة كبرى في مراقبة الحماقة المحيطة بهم التي تخفي بحرص مستواهم المتدني.
ب-العقول المتوسطة
تحرص العقول المتوسطة على التعليق على الأحداث، ما يحدث لهم أو ما يحدث على مقربة منهم أو ما يلفت انتباههم بشكل تصاعدي.
بذلك، يبقى نشاطهم الفكري معتمداً على تقلّبات الأحداث وديكتاتوريّة اللحظة الراهنة. يجب أن يثيرهم أمر ما؛ صوت أو صورة أو حركة لتملأ هذا الفراغ كله. ويأتي حدث ليطرد آخر ويحلّ محله، من دون أن نحاول حكماً أن نستخلص عبرة مستدامة، بنيويّة تندرج في سياق تحسين العالم. الأهم هو أن نلهو ونتسلى! أو على الأقل أن نتظاهر بذلك. إنها ثقافة الترفيه الفارغ في ذروتها. إنه مجتمع الترفيه والاستعراض. لكن يا له من استعراض بائس ومتعب! ويا لها من حوارات فارغة.
هكذا طوّر الصحفيون ما يسمونه اليوم “المحتوى الدائم الخضرة” أيّ المحتوى الذي لا يتأثر بالوقت ويمكن استثماره مراراً وتكراراً والذي لا يزال ينجح حتى اليوم! في بعض الأحيان، يقتنع هؤلاء المشاهدين المتقلّبين بشيء ما اليوم وبنقيضه في اليوم التالي، من دون أن يتوقّفوا ليفكروا ولو للحظة في هذا التناقض. إنهم كذلك، أشبه بوعاء من دون قعر وبمحرك من دون قاع، بقوابس نشغّلها ثم نطفئها من دون مصدر طاقة خاص. إنهم قلوب تضيئها الشمس ويحزنها المطر.
لمَ هذا التأثّر الكبير بالظروف والعوامل الخارجيّة؟ يعود السبب إلى عدم وجود شيء في داخلهم ليهتمّوا به، فما من شيء ينبض في داخلهم…
كتب جول رينار: “لو أنّ الطقس لا يتغيّر أبداً، لما وجد نصف البشر موضوعاً ليتحدثوا فيه.”
ج- الدرجة الأولى
يمكننا في مرحلة النضوج الأعلى أن نهتم بالمفاهيم علاوة على الفضول بشأن الناس والأحداث، ولا أعني هنا أن يتحوّل الشخص إلى حكيم وأن يطيل لحيته ويجول على الصالونات الثقافيّة والاجتماعيّة ليعرض فلسفته بل أن يهتمّ بأمور مختلفة. لنأخذ على سبيل المثال:
- أنت فخور لأنك ساعدت أحد الأشخاص كي يعبر الشارع؟ ثمة قطاع كامل من العلوم الانسانيّة يعالج ظواهر اللطف والتعاضد والتعاون: لمَ لا تقرأ كتاباً عن السلوكيات الايجابيّة اجتماعياً!
- هل وجدت عطر حبيبتك رائعاً ومثيراً؟ استمتع بالمشاركة في مؤتمر حول مفهوم الارتكاز العاطفي!
- هل تحب الطريقة التي يلفت بها صديقك الانتباه عندما يروي قصصه؟ انضم إلى ورشة عمل حول فن رواية القصص!
- هل تتساءل ما الذي يجعل بعض أنواع القهوة لذيذاً والبعض الآخر سيئاً؟ أقصد معملاً لتحميص البن!
تسمح هذه الديناميكيّة التي أقترحها بأن تتجاوز اللحظة الراهنة وأن تكتشف المبادئ الأساسيّة التي تستند إليها أمور الحياة، وأن تبحث عن الحقيقة التي تقف خلف سلوك الناس، خلف سلسلة من الأحداث، خلف الشعور الذي تثيره الأشياء. تسمح لك بأن تفهم السبب؟ وهذا ما يساهم في جعل بعض الأشخاص مميّزين عن سواهم، وما يفصل بين المفكّرين والمنفّذين العاديين وما بين القادة والتابعين.
مما لا شك فيه أنّ مستوى الحوار أو الحديث العالي الذي تسمح به هذه الدرجة الأولى لا يتناسب إلا مع بعض البيئات المتميّزة. لكن القادر على الأفضل، يقدر على ما هو أقل منه. بعد أن تصل إلى الدرجة 1، يمكنك أن تطلق النكات القذرة أو أن تتحدّث عن كرة القدم إن كان هذا ما يحبه محاوروك. يكفي أن تضاعف خياراتك كي تُفتح أمامك قنوات أخرى! في حزبنا، نحن نؤمن بالمفهوم التالي: “داخل النظام، من يُظهر أكبر قدر ممكن من المرونة يمتلك السلطة دوماً.”
التعليقات مغلقة.